كان الخلود هو هاجس الإنسان الأول منذ Ø®Ùلق، وكان التأريخ لنÙسه وقومه وسيلتَه للخلود، ولهذا يمكنك أن تقول إن التأريخ Øاجة من Øاجات الإنسان الأساسية التي لا يمكنه أن يستغني عنها، ولا يمكنه أن يتنازل عن ØÙ‚Ùّه Ùيها.
والÙÙ† والتاريخ وجهان لعملة واØدة، كلاهما يسجل بهما الإنسان Ø£Øداثه المهمة، لكنّ التاريخ عام، والÙÙ† خاص، لهذا يتمتع الÙÙ† بØرية أكبر ÙÙŠ رصد الأØداث وغاياتها، بخلا٠التاريخ الذي يمارس عليه المجتمع نوعًا من الرقابة التي تهذبه وتطهره من كل ما يشينه.
والÙÙ† أنواع كثيرة، أهمها على الإطلاق وأÙضلها الشعر؛ الشعر هو الوسيلة الأقرب دائما والأسهل، وهو الوسيلة المتاØØ© ÙÙŠ كل وقت ÙˆÙÙŠ كل زمان، ÙŠØتاج الرسّام والنØات والمغني والسينمائي إلى أدوات، وتØتاج بعض هذه الÙنون إلى تعاون ومشاركة، لكن الشعر لا ÙŠØتاج إلى أي شيء من هذا، ولهذا برع Ùيه أجدادنا القدماء، Ùإن العرب كانت أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، لكنها كانت أمة شاعرة، وكان الشعر سجلها الخالد، وتاريخها الذي لا يضيع.
وقد كان للعرب باع ÙÙŠ الÙنّ القصصي، غير أن الÙÙ† القصصي لا يمكن أن يبلغ درجة الشعر العالية؛ إذ إن الشعر العربي مرتبط بأوزان وقواÙ٠تØÙظه ÙÙŠ صدور الناس، أما القصص Ùتتداخل Ø£Øداثها وتتساقط تÙاصيلها وتÙنسى دون أن تجد ما ÙŠØÙظها من أصل بنائها.
كانت العرب أمة أمية، Ùكي٠كتبت تاريخها؟ الØقيقة أنها لم تكتب تاريخها، ولكننا عرÙناه من شعرها، ولهذا قيل إن الشعر هو (ديوان العرب).
ØÙظ الشعر لهذه الأمة المباركة لغتها وجمالها وتاريخها بأدق تÙاصيله، وهذه ميزة عجيبة لا تجدها إلا ÙÙŠ أمتنا؛ Ùإن العرب لم يجتمعوا قبل الإسلام ÙÙŠ دولة؛ Ùكانوا Ø£Øرارا ÙÙŠ كل شيء، ولم يكن لهم تاريخ جامع مهذب منقØØŒ Ùسجّلوا Ø£Øداثهم بأشعارهم التي عبّرت عن Ù†Ùوسهم الØرة الأبية، وما دار Ùيها، وكي٠رأت الأØداث، وكي٠أثّرت Ùيها.
ومن هنا نكتش٠أهمية الشعر ÙÙŠ Øياة العرب، وميزته، ونكتش٠أيضا أنه عبّر عن أهم مميزات العرب، وهي أن هذه الأمة منذ ظهرت على وجه التاريخ كانت أمّة Øرّة أبية.
أغارت ÙÙŠ الماضي البعيد قبل الإسلام قبيلة على قبيلة، Ùكاد ينتصر المعتدون لولا أن تماسك المÙعتدى عليهم وانتصروا، هذه Øرب واØدة من Øروب كثيرة مثلها وقعت بين العرب، وهي Ø£Øداث مكررة، لماذا قد يهتمّ بها مؤرخ؟ ولو اهتم بها هل تظنّ أنه سيكتب عنها أكثر مما كتبت٠لك الآن؟
بالطبع لن يهتم، ولو اهتم Ùإن أقصى ما يمكنه أن يكتب عنها مثل ما كتبت٠لك.
لكن هذه الØرب لم تكن بالنسبة لمØبي الشعر Øربًا عادية ÙƒØروب العرب المكررة، بل كانت Øربا بين بني زبيد وأعدائهم، وهذه هي الØرب التي سطع Ùيها نجم شاعر من كبار شعراء الجاهلية، وبطل من أشجع أبطالها، سيدنا عمرو بن معديكرب رضي الله عنه، ليس هذا Ùقط، بل سجّل شاعرنا البطل تÙاصيل المعركة بدقة كما رآها، وكما كان وقعها ÙÙŠ Ù†Ùسه الأبية بأبيات بديعة لم تستطع السنون أن تمØÙˆ جمالها وبهاءها، Ùكتبَ قصيدته الخالدة التي مطلعها: ليس الجمال بمئزر
واهتم العرب بهذه القصيدة ÙØÙظوها، وتناقلوا قصتها، وهي قصة طريÙØ© عجيبة، Ùقد قالوا: إن الشاعر كان مدللًا، وكان أبوه سيدًا ÙÙŠ قومه، ÙَكَرÙÙ‡ÙŽ هذا من ابنه، Ùكان يدعوه بـ (المائق) أي الذي لا Ùائدة منه، وقالوا إنهم سمعوا بتأهب أعدائهم لمهاجمتهم والاعتداء عليهم، Ùجمع معديكرب (أبو الشاعر) بني زبيد (قبيلة الشاعر)ØŒ وبدأ يستعد وإياهم للدÙاع عن قومه، وبينما كان الأب مشغولا باستعداداته جاء ابنه Ùقال لأخته: أشبعيني؛ إني غدا لكتيبة. أي أنه سيكون ÙˆØده كتيبة كاملة ÙÙŠ الØرب، Ùلما جاء أبوها أخبرته، Ùغضب، لأن سيدا مثله لا ينبغي أن يقول ابنه كلاما يدل على الØرمان، Ùقال لابنته: هذا المائق يقول ذاك؟ قالت: نعم. قال: Ùسليه ما ÙŠÙشبعه. Ùسألته، Ùقال: Ùرق من ذرة وعنز رباعية. والÙرق أربعة صيعان، وهذه كمية كبيرة من الطعام، ÙذبØوا له العنز، وأعدوا الطعام، Ùأكله كله ونام، ثم جاءهم الأعداء ÙÙŠ الصباØØŒ واشتدّ القتال، وتراجعت بني زبيد، وكادت تÙهزم، Ùأسرع عمرو بني معديكرب إلى أبيه ليأخذ Ùرسه، ويØمل اللواء، لأنه Øتى الآن ما اشترك ÙÙŠ المعركة، ولا صنع شيئًا بعد٠للدÙاع عن قومه، لكن أباه رÙض، وقال: إليك عني يا مائق!
Ùقال له بنو زبيد: خلÙّه أيها الرجل وما يريد، Ùإن Ù‚ÙتÙÙ„ÙŽ ÙƒÙÙيت مؤونته، وإن ظهر (أي انتصر) Ùهو لك. أي أن النصر سيكون باسمك، Ùانصاع لهم الأب، وألقى سلاØÙ‡ لابنه، Ùركب الÙرس، وهاجم أعداءه Øتى خرج من بين أظهرهم، ثم كرّ عليهم، ÙˆÙعل ذلك مرارا، وانضم إليه Ùرسان قومه، Ùانتصروا بعد الهزيمة، وصار لقبه من بعد (Ùارس زبيد)ØŒ وقال يص٠هذا اليوم، وما كان Ùيه:
ليس الجمال بمئزر Ùاعلم وإن رديت بردا
إن الجمال معادن ومناقب أورثن مجدا
أي لا يخدعك الظاهر؛ Ùالجمال الØقيقي هو المعدن Ø§Ù„ØµØ§Ù„Ø ÙˆØ§Ù„Ø£Ø®Ù„Ø§Ù‚ الØميدة التي تورث المجد.
أعددت٠للØدثان سابغة وعداء علندى
نهدًا وذا شطب يقد البيض والأبدان قدا
أي أنه أعد للدهر ÙˆØوادثه درعا سابغة، ÙˆØصانا قويا سريعا وسيÙا Øادًّا يقدّ Ø®Ùوذ الجنود وأبدانهم.
وعلمت٠أني يوم ذاك منازل كعبا ونهدا
قوم إذا لبسوا الØديد تنمروا Øلقا وقدا
أي أنه Ù„ÙبÙعْد٠نظره وعلمه بالناس علم أن هاتين القبيلتين (كعب ونهد) سيعتدون على قبيلته، ولذلك استعد، ثم يصÙهم ÙÙŠ البيت الثاني بالقوة؛ Ùإنهم إذا لبسوا الدروع كانوا كالنمور ÙÙŠ قوتهم وجرأتهم.
كل امرئ يجري إلى يوم الهياج بما استعدا
أي أنه لا يلومهم، بل هذا هو الصواب أن يستعدّ كل إنسان لأعدائه، وقد استعدوا واستعدّ، وجاء اليوم.
لما رأيت نساءنا ÙŠÙØصن بالمعزاء شدّا
وبدت لميس كأنها بدر السماء إذا تبدى
وبدت Ù…Øاسنها التي تخÙÙ‰ وكان الأمر جدّا
ÙÙŠ ذلك اليوم انهزم قومه، ووصل الأعداء لخدور النساء، وأسروهن، وهن نساء شريÙات أبيّات، كنّ ÙŠØÙرن ÙÙŠ الأرض الصلبة بأرجلهن العارية أثناء شد Ùرسان الأعداء لهنّ، وبدت لميس Øبيبة الشاعر الجميلة التي تشبه بدر السماء، لكن جمالها لم يشغله عن Øالها ÙÙŠ دÙاعها عن Ù†Ùسها ومقاومتها الأسر، Ùإن الأمر كان جادًّا.
نازلت٠كبشهم ولم أرَ من نزال الكبش بÙدا
هم ينذرون دمي وأنذر إن لقيت بأن أشدا
هنا يسرع الشاعر إلى نجدة قومه، وإلى Øماية شرÙÙ‡ وعرضه، Ùلا يتراجع Øتى ينازل قائد الأعداء، وقد عر٠الأعداء قوته وشجاعته Ùنذروا أن يقتلوه، ونذر هو ألا يتراجع أو يستسلم.
كم من أخ لي ØµØ§Ù„Ø Ø¨ÙˆØ£ØªÙ‡ بيدي Ù„Øدا!
ما إن جزعت ولا هلعت ولا يرد بكاي زندا
ألبسته أثوابه وخلقت يوم خلقت جلدا
أغني غناء الذاهبين أعد للأعداء عدا
ذهب الذين Ø£Øبهم وبقيت مثل السي٠Ùردا
انتهى الشاعر من ذكر المعركة، Ùإنه لم يصل للقائد Øتى هزم الجنود، وقد نذر أن يشد، ووÙÙ‰ بنذره، Ùالآن يعود الشاعر إلى Ù†Ùسه ويتذكر الÙرسان الأبطال من إخوانه وأصدقائه، لقد Ùقد ÙÙŠ المعارك كثيرا من أصدقائه واضطر لدÙنهم بيده، وقد كان ÙÙŠ كل Ø£Øواله هادئا ثابتا لا يهلع ولا يجزع، لأنه يعلم أن الجزع لن يعيد الأموات، بل كان ÙŠØسن تكÙينهم ودÙنهم؛ Ùإنه صبور جلد مذ Ø®Ùلق، Ùلا يمكن أن يقول قائل إن الأبطال ماتوا ووهنت بنو زبيد، بل يغني الشاعر غناءهم، ويÙذكر باعتباره كتيبة كاملة تÙعد للأعداء عدا، لكنه مع غنائه وقوته يتØسر على Ùقدانه لأبطال قومه بالبيت الأخير، Ùقد تÙرك ÙˆØيدا كالسي٠لا صديق له ولا قريب.
سامØني أيها القارئ إذ أطلت٠عليك، ولكنك الآن Ùقط تÙهم أهمية هذا الشعر الذي لم يكن مجرد تأريخ Ù„Øدث وقع، ولكنه كان تأريخا للØدث بكل تÙاصيله، ÙˆØÙظا له من الضياع مع مرور القرون الطويلة.